الرزق الحلال

في الحقيقة، كان أبي إنسانًا تقيًّا، كان من أهل المسجد ومجالس العزاء، وكان يولي الرزق الحلال أهمية خاصة، وكان يعرف قول الرسول الأكرم: «العبادة عشرة أجزاء تسعة أجزاء في طلب الحلال»[1]. لذلك، حين آذاه عدد من الرُعاع والأوباش في منطقة «أمير آباد» ومنعوه من كسب الرزق الحلال، اضطر إلى بيع الدكان الذي ورثه عن أبيه والذهاب إلى معمل للسكر والعمل ليلًا ونهارًا أمام الفرن، إلى أن استطاع شراء منزل صغير. قال إبراهيم مرارًا إنّ سبب تربية أبي لأبناء صالحين ما هو إلّا نتيجة المصاعب التي عاناها في سبيل كسب الرزق الحلال. وكان كلّما تذكر طفولته قال: «كان أبي يساعدني لأحفظ القرآن، ويصطحبني دومًا معه إلى المسجد. كنّا نذهب إلى مسجد الحي أو إلى مسجد الحاج «عبد النبي النوري»، بعد تقاطع «سرتششمه» حيث كانت هيئة[2] «علي الأصغرQ»، وكان لأبي فخر الخدمة في هذه الهيئة». في أحد الأيام الأخيرة من المرحلة الابتدائية، قام إبراهيم بعملٍ أغضب أبي. فقال له: «إبراهيم، اخرج ولا ترجع حتّى المساء»! خرج إبراهيم ولم يعد حتّى المساء. وكان الجميع قلقًا عليه وخاصة في ما يتعلق بطعام الغداء، لكنه لم يخالف كلمة والده. في المساء، رجع وحين دخل البيت سلّم بكل أدب. سألته فورًا: «ماذا تناولت وقت الغداء يا أخي؟»، وكان أبي يظهر عدم رضاه حتّى الآن، لكنه وقف ينتظر جواب إبراهيم. قال إبراهيم بكل هدوء: «كنت أمشي في الشارع، فرأيت امرأة عجوزًا ومعها كثير من الأغراض ولا تعرف كيف تنقلها إلى بيتها، فساعدتها. شكرتني كثيرًا وأعطتني 5 ريالات، لم أقبل؛ لكنها أصرّت كثيرًا فأخذتها لأنّني متأكّد من أنّها رزق حلال، فقد تعبت في تحصيله. عند الظهر، اشتريت بذلك المال خبزًا وتناولته». حين سمع أبي كلامه، علت وجهه ابتسامة رضى وكان سعيدًا؛ لأنّ ابنه قد تعلّم درس أبيه على أكمل وجه، فقد أعطى الرزق الحلال الأهمية اللازمة. كانت صداقة أبي مع إبراهيم أكثر من علاقة تقليدية، ظهرت ثمرتها واضحة في نمو شخصية الابن. لكن علاقة الصداقة هذه لم تستمر طويلًا. كان إبراهيم يافعًا حين فقدَ الحس الطيب لحماية الأب، وعند غروب حزين، شعر بظلال اليتم الثقيلة تظلّل رأسه. بعد ذلك أكمل الحياة كالرجال الكبار.نصحه أكثر أصدقائنا بالاهتمام بالرياضة، وقد اقتنع بهذا الأمر.

[1]- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 100، ص9، ح.37

[2]- هيئة أو لجنة مهمّتها إقامة مجالس العزاء، والمراثي والمدائح بمناسبات شهادات الأئمّة وولاداتهم R.

 

Comments (0)

Rated 0 out of 5 based on 0 voters
There are no comments posted here yet

Leave your comments

  1. Posting comment as a guest. Sign up or login to your account.
Rate this post:
Attachments (0 / 3)
Share Your Location