البطل ‚الفتوّةƒ

 

جاء السيد «حسين طحامي» إلى الـ«زورخانه» وصار يتمرّن مع الشباب. على الرغم من مرور وقت طويل لم يشارك خلاله في المسابقات العالمية، لكنّ جسده كان لا يزال يتمتع بالقوة واللياقة. بعد أن أنهى الرياضة، استدار نحو الحاج حسن وقال: «يا حاج، هل يوجد من يصارعني لجولة؟». أجال الحاج حسن بنظره على الشباب وقال: «إبراهيم»؛ ثم أشار له للتوجه إلى وسط الحلبة. في المصارعة التراثية (الفتوّة) الاحترافية يعتبر اللاعب خاسرًا إذا ما لمس الأرض أو ارتمى أرضًا. لذلك يحتاط اللاعب كل الاحتياط كي لا يتّسخ بالتراب. بدأت جولة المصارعة ووقفنا نشاهد. تصارع الاثنان حوالي النصف ساعة من دون أن يلمس أحد منهما الأرض، وشعرا بضغط كبير. لكن لم يستطع أيٌّ منهما أن يسقط خصمه أرضًا، وبالتالي لم ينتصر أي منهما. بعد انتهاء الجولة، لم يتوقف السيد حسين عن تكرار: «بارك الله، بارك الله، ما أشجع هذا الشاب، ما شاء الله أيّها البطل، أيّها الفتوّة». حين انتهينا من جولة الرياضة، رأيت الحاج حسن وهو يتأمل وجه إبراهيم. تقدم إبراهيم نحوه وسأله بتعجب: «ما الأمر يا حاج؟». بعد لحظات من السكوت، قال الحاج حسن: «في ماضي طهران، اشتهر بطلان؛ الحاج السيد «حسن رزاز» والحاج «محمد صادق بلور فروش»، وكانا صديقين مقربين. كما لم يكن أحد ينافسهما في المصارعة. والأهم من ذلك، كانا عبدين مخلصين لله. قبل البدء بالرياضة، اعتادا على قراءة عدد من الآيات القرآنية ومجلس عزاء قصير بعينين باكيتين لحال أبي عبد الله الحسين. كان نَفَس كلّ من الحاج محمد صادق والحاج السيد حسن يشفي المرضى». ثم أكمل: «أعتبرك يا إبراهيم فتوّة مثلهما». ابتسم إبراهيم وقال: «عفوك يا حاج، أينني منهما؟!» أذكر انزعاج بعض الشباب من مدح الحاج حسن لإبراهيم بهذه الطريقة. في اليوم التالي، جاء خمسة مصارعين من حلبات طهران وكان من المقرر أن يتنافسوا مع شبابنا. استقبل الجميع فكرة كون الحاج حسن حكمًا للمباريات. بدأت المصارعة بعد التمارين الرياضية اليومية. أقيمت أربع مباريات، ربح شبابنا مباراتين وربح الضيوف اثنتين. لكن في المباراة النهائية، عمّت الفوضى قليلًا، كانوا يرفعون صوتهم ويصرخون في وجه الحاج حسن، وقد انزعج الحاج كثيرًا. التفتّ إلى أن المباراة النهائية ستكون بين إبراهيم وأحد شبابهم، وبما أنهم يعرفون قدرة إبراهيم وكانوا متأكدين من أنهم سيخسرون، اختلقوا هذه الفوضى كي يحمّلوا مسؤولية خسارتهم للحكم. مضت لحظات، فإذا بإبراهيم ينزل إلى الحلبة والبسمة تعلو وجهه، بينما الجميع غاضب ومنزعج، وبدأ يسلم باليد على الرياضيين فردًا فردًا وأعلن أنه لن يلعب. حين سألناه مستنكرين: «لماذا؟». أجاب: «إن صداقتنا أهم من كل هذا الكلام»، ثم قبّل يد الحاج حسن وبصلوات على محمد وآل محمد أعلن ختام المباريات. لم يكن في ذلك اليوم رابح أو خاسر، لكنّ إبراهيم كان الرابح الحقيقي. حين توجهنا لتغيير لباسنا، نادانا الحاج حسن وخاطبنا: «هل فهمتم الآن لماذا قلت إنّ إبراهيم بطل حقيقي؟» كنا جميعًا صامتين، فأكمل الحاج حسن قائلًا: «ما رأيتموه اليوم هو البطولة الحقيقية». فقد واجه إبراهيم نفسه وانتصر. لم يتواجه إبراهيم معهم، لأجل الله، وللحيلولة دون الحقد والمشاكل. نعم أيّها الشباب، إن البطولة هي ما رأيتموه اليوم». استمرت قصص إبراهيم في الفتوّة إلى أن جاءت أحداث انتصار الثورة، وانشغل معظم الشباب بها. وقلّ كثيرًا حضورهم في الرياضة التراثية. إلى أن اقترح إبراهيم أن نلتقي في الـ«زورخانه» صباحًا ونصلي صلاة الصبح جماعة ثم نتمرّن بعدها، وقَبِل الجميع. صرنا نلتقي يوميًّا في الصباح، نؤذّن ونصلّي الصبح جماعة، ثم نبدأ الرياضة. بعدها، نتناول فطورًا بسيطًا ثم نتوجّه إلى أعمالنا. فرح إبراهيم كثيرًا لهذا الأمر، فمن جهة كان الشباب يصلّون الصبح جماعة، ومن جهة أخرى لم يوقفوا رياضتهم. قال الرسول الأعظم: «لئن أصلّي الصبح في جماعة أحَبّ إليَّ من أن أصلّي ليلتي حتّى أصبح»[1]مع بداية الحرب المفروضة، قلّت أنشطة الـ«زورخانه» كثيرًا وتوجّه معظم الشباب إلى الجبهة، وصار إبراهيم لا يأتي إلى طهران إلّا قليلًا. في إحدى المرات التي جاء بها إلى طهران، أخذ وسائله الرياضية معه، وهناك في الجبهة افتتح حلبة للرياضة التراثية. كانت «زورخانه» الحاج حسن، علمًا على رمح في تربية الأبطال الواقعيين. مضافًا إلى إبراهيم، تخّرج فيها عدد من الشباب الذين أثبتوا شهامتهم ورجولتهم الحقيقية في محضر الله. حفظوا إيمانهم بدمائهم، وهؤلاء هم الأبطال الواقعيون.  انتهى الزمن الجميل والمعنوي لـ«زورخانه» الحاج حسن، منذ السنوات الأولى للدفاع المقدس، وذلك بشهادة الشهيد «حسن شهابي» مرشد الـ«زورخانه» والشهيد «أصغر رنجبران» (قائد لواء عمار الأول) والشهداء: «سيد صالحي»، «محمد شاهرودي»، «علي خرّمدل»، «حسن زاهدي»، «جواد مجد بور»، «رضابند»، «حمد الله مرادي»، «رضا هوريار»، «مجيد فريدوند»، «قاسم كاظمين» وإبراهيم وشهداء آخرين، مضافًا إلى إصابة الحاج «علي نصر الله» و«مصطفى هرندي» كذلك موت الحاج «حسن توكّل»، وفي النهاية، التحق هذا الزمن بالذكريات مع تحويل الـ«زورخانه» إلى مبنى سكني.

 [1]- کنز العمال، المتقي الهندي، ح 22792.

Comments (0)

Rated 0 out of 5 based on 0 voters
There are no comments posted here yet

Leave your comments

  1. Posting comment as a guest. Sign up or login to your account.
Rate this post:
Attachments (0 / 3)
Share Your Location