أيام الثورة
منذ سنوات طفولته، أحب إبراهيم الإمام الخميني حبًّا خاصًّا. وكلّما كبر أكثر نما هذا الحب أكثر وأكثر، إلى أن وصل إلى قمته في السنوات الأخيرة التي سبقت انتصار الثورة. كان يوم جمعة من العام 1977م. حين لم يبدأ بعد الحديث عن قضايا الثورة ولا عن اشتباكات أو معارك. كنّا متوجهين إلى البيت عائدين من جلسة دينية في ساحة «جالة»[1]. لم نكن قد ابتعدنا عن الساحة كثيرًا، حين التحق بنا بعض الأصدقاء، وبدأ إبراهيم يخبرنا عن الإمام الخميني{، ثم صرخ بصوت عالٍ: «السلام على الخميني»، ونحن نهتف وراءه. انضم إلينا بعض الشباب حتّى وصلنا إلى تقاطع «شمس». عندها، لاح من بعيد عدد من سيارات الشرطة. طلب إبراهيم فورًا من الشباب الانتشار فتفرّقنا داخل الأزقة. بعد هذه الحادثة بأسبوع أو أسبوعين، عندما كنا عائدين من تلك الجلسة صباح الجمعة، وبالقرب من الساحة، أمام السينما، هتف إبراهيم: «السلام على الخميني» وصرنا نهتف وراءه. كما انضمت إلينا المجموعة التي خرجت معنا من الجلسة. كان مشهدًا رائعًا. بعد دقائق، وقبل أن يصل رجال الشرطة، طلب إبراهيم من الحشد أن يتفرّق. ثم ركبنا سيارة أجرة وتوجّهنا نحو ميدان خراسان. بعد أن تخطيّنا تقاطعَين اثنين، انتبهنا فجأة أنهم يوقفون السيارات، ويفتشون الركاب واحدًا واحدًا. على جانب الطريق، اصطفّت سيارات السافاك[2] ووقف ما يقارب عشرة من رجال شرطة. كان وجه الشرطي الذي يراقب السيارات مألوفًا بالنسبة إليّ، إذ كان بيننا حين كنا نهتف في ساحة «جالة». لفتُّ نظر إبراهيم. وحين استوعب الأمر، وقبل أن يصل المفتش إلى سيارتنا، فتح الباب وركض مسرعًا إلى الرصيف. رفع المفتش الواقف وسط الطريق، رأسه ورأى إبراهيم فنادى بأعلى صوته: «إنه هو، إنه هو...». ركض رجال الشرطة خلف إبراهيم. وبدأت المطاردة في الأزقة.... حين تشتّت انتباه رجال الشرطة، دفعتُ الأجرة للسائق وترجّلت وتوجهت إلى الشارع المقابل. حين وصلت إلى البيت، كان الوقت ظهرًا ولا خبر عن إبراهيم. حلّ المساء ولا أخبار عنه أيضًا. اتصلت بعدد من رفاقه، ولكنهم لم يعلموا شيئًا عنه. كنت قلقًا جدًّا، فقد قاربت الساعة الحادية عشرة. جلست في الباحة أمام البيت، وفجأة سمعت صوتًا من الخارج. قفزت إلى الباب، تعجبت كثيرًا وأنا أرى إبراهيم بوجهه الباسم يقف خلف الباب. قفزت واحتضنته، كنت سعيدًا جدًّا، ولم أعرف كيف أُظهر سروري. قلت له: «أخي أبرام، ما الخبر؟». تنفّس بعمق وقال: «الحمد لله، ها أنا ذا بخير وسلامة في خدمتك». قلت: «هل تناولت العشاء؟»، قال: «لا يهمّ». أسرعت إلى البيت، أحضرت خبزًا وبعضًا من طعام العشاء. ذهبنا إلى ميدان «غياثي»[3]. وبعد أن تناولنا بعض الطعام قال: «هنا ينفعنا الجسم القوي على الرغم من أنّهم كانوا مجموعة لكنني استطعت الهرب منهم». على كل حال، ليلتها تحدثنا كثيرًا عن الثورة وعن الإمام وعن... ثمّ اتفقنا على أن نذهب معًا ليلًا إلى مسجد «لُرزاده» لنستمع إلى محاضرات الشيخ «تشاووشي»[4]. إنها المرة الثالثة التي نشارك فيها في الجلسة. ذهبنا مع إبراهيم وثلاثة من رفاقنا إلى مسجد «لُرزاده». كان الشيخ «تشاووشي» رجلًا شجاعًا لا يخاف أبدًا، كان يتكلم على المنبر كلامًا لا يجرؤ أحد على قوله. أثار حديث الإمام موسى الكاظم - الذي يقول فيه: «رجل من أهل قم، يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد»[5] - تعجّب كثيرٌ من الناس. وهكذا أكمل حديثه الثوري. فجأة، سمعت ضجيجًا وأصواتًا عالية تصل من جهة الباب. رجعنا إلى الوراء، رأيت رجال السافاك أمام المسجد، بيدهم العصيّ والأحزمة وهم ينهالون ضربًا على الجميع. تدافعت الجموع للخروج من المسجد، وكان رجال السافاك يضربون بقسوةٍ كل من يمرّ أمامهم. لم يرحموا الأطفال ولا النساء أيضًا. غضب إبراهيم كثيرًا ممّا يحصل، فركض نحو الباب وتعارك مع بعض السافاكيين، فانهال عدد منهم عليه ضربًا. في هذه الفترة الزمنية، فُتِح الطريق فاستطاع عدد من الناس والنساء والأطفال الخروج من المسجد. اشتبك إبراهيم بشجاعة معهم وتضاربوا بشدّة، ثم استطاع الهروب منهم، ولحقناه نحن وابتعدنا عن المسجد. بعد ذلك، عرفنا أنهم في تلك الليلة ألقوا القبض على الشيخ، كما استشهد وجرح عددٌ من المصلّين. أدّت الضربات التي تلقّاها إبراهيم في تلك الليلة إلى ألم شديد في الظهر، عانى منه طيلة حياته، وأثّر كثيرًا على المصارعة لديه. مع بداية أحداث العام 57هـ.ش/1978م، صارت الثورة وقضيتها كل ذكر وفكر إبراهيم، مضافًا إلى توزيع الأشرطة و“مناشير” الإمام، وكان يقوم بهذا العمل بشجاعة كبيرة.في أوائل شهر أيلول[6]، اصطحب معه كثيرًا من الشباب إلى مرتفعات «قيطرية» وشاركوا في صلاة عيد الفطر بإمامة الشهيد «مفتح». وبعد الصلاة، أعلنوا أن مسيرة يوم الجمعة ستتجه نحو ساحة «جالة».
[1]- التي صار اسمها في ما بعد "ساحة الشهداء".
[2] - جهاز الأمن زمان الشاه.
[3] - صار اسمه لاحقًا "ميدان الشهيد سعيدي".
[4] - من العلماء الثوريين، وقد استشهد لاحقًا على أيدي المنافقين.
[5] - بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 57، ص 216.
[6] - أواسط شهر “شهريور” الهجري الشمسي.