تأثير الكلام
مرّت أشهر على انتصار الثورة. قال لي أحد الأصدقاء: «في الغد، اذهب مع إبراهيم إلى منظمة التربية البدنية[1]، يريد السيد «داوودي» أن يراكما». قبل تلك الفترة، كان إبراهيم مشغولًا لمدة شهرين بحراسة سجن «قصر». في اليوم التالي، حصلنا على العنوان وتوجهنا إلى هناك. كان السيد «داوودي» معلّم إبراهيم في المرحلة الثانوية. حين وصلنا، اهتم بنا كثيرًا، ثم اجتمع معنا ومع عدد من الشباب المدعوّين مثلنا وقال لنا: «بما أنكم رياضيّون وثوريّون في الوقت نفسه، تعالوا إلى المنظّمة، وتسلّموا بعض المسؤوليات». بعد اللقاء، تحدّث معنا أنا وإبراهيم على انفراد وقال: «ستتولّيان مسؤولية التفتيش في المنظمة». بعد أن تحدثنا قليلًا، قبلنا بهذه المسؤولية، وفي صباح اليوم التالي، باشرنا العمل. كلما واجهتنا مشكلة، كنا نراجع السيد «داوودي». لا أنسى يومًا حين دخل إبراهيم مكتب التفتيش، وسألني: ماذا تفعل يا مهدي؟ لا شيء، أوقّع حكم فصل من العمل. لِمن؟ وصل تقرير من أحد الاتحادات أنّ الرئيس يأتي إلى العمل بلباس ومظهر استفزازي، وسلوكه مع الموظفات غير مناسب، وسمعت أنّ موقفه مخالف للثورة. كما إنّ زوجته غير محجبة. كنت أكتب التقرير الذي اعتقدت أنّ علينا إرسال نسخة منه لشورى الثورة، عندما سألني إبراهيم: «هل يمكن أن أقرأ التقرير؟». خذ! هذا التقرير وهذا حكم الطرد من العمل. حين نظر إلى التقرير، سألني: هل تكلمتَ مع هذا الرجل بنفسك؟ لا! لا داعي لذلك فالكل يعرفه. لا يصحّ ذلك. أوَلم تسمع: «إنّ الإنسان الكاذب يصدّق كل ما يسمعه»؟ ولكن، هذا ما أخبرنا به شباب ذلك الاتحاد. قطع كلامي وقال: «لنبحث عن عنوان هذا الرجل، ونذهب عصرًا إلى بيته، ونعرف من هو وماذا يقول». بعد لحظات من التفكير، وافقت على ما قاله. عندما أنهينا عملنا، أخذت العنوان وذهبنا إلى بيت الرجل على دراجتي النارية. كنا نبحث عن بيته في الأحياء بعد جسر «سيد خندان»، وإذا بنا نراه يصل. عرفته من الصورة المرفقة مع ملفّه. توقفت سيارة «مرسيدس» أمام بيته، وترجّلت منها امرأة من دون حجاب تقريبًا وفتحت الباب. فدخل الرجل الذي كان في السيارة أيضًا. قلت: «هل رأيت؟ هل رأيت أن وضع هذا الرجل غير مقبول». اصبر لنتكلم معه ثم أصدر أحكامك. أوصلت الدراجة النارية إلى أمام المنزل، وضعتها على المِرفع بينما قرع إبراهيم جرس المنزل. كان الرجل لا يزال في الباحة، فجاء ليفتح الباب بسرعة. رجلٌ عريض الكتفين، طويل القامة، حليق الذقن واللحية، يرتدي بزّة أنيقة. تفاجأ حين رأى وجهَينا، خاصة في تلك المنطقة. قال: «تفضّلا». قلت في نفسي: لو كنت مكان إبراهيم لأوقفته عند حدّه. لكن إبراهيم، وباحترام خاص، سلّم عليه والابتسامة تعلو وجهه وقال: «أنا إبراهيم هادي. أعتذر على الإزعاج لكنني أريد أن أطرح عليك أسئلة عدة». قال ذلك الرجل: «اسمك مألوف بالنسبة إلي! سمعته منذ أيام في العمل». ثم تابع: «أنت المفتش الإداري، صحيح؟». ضحك إبراهيم وقال: «أجل». ارتبك الرجل كثيرًا وأخذ يصرّ علينا للدخول إلى المنزل. لكن إبراهيم رفض وقال: «شكرًا جزيلًا، لن نأخذ من وقتك إلّا بضع دقائق». بدأ إبراهيم يتكلم، واستمر حوالي الساعة في الحديث، لكن لم نشعر بمرور الوقت. حدّثه عن كل شيء وضرب له مثالًا لكل موضوع. قال له: «اسمع يا صديقي، إنّ زوجتك هي لك، يجب ألّا تعرضها أمام الآخرين. هل تعرف كم من الشباب يقعون في المعصية لرؤيتهم نساءً غير محجبات كزوجتك مثلًا؟». ثم انتقل إلى العمل وقال: «كذلك أثناء العمل، أنت كمسؤول لا يجب أن تتلفّظ بكلام سيّئ أو بمزاح غير لائق مع الموظفات. صحيح أنك كنت بطلًا في فئتك الرياضية، لكن البطل الحقيقي هو من يمنع نفسه عن الوقوع في الخطأ». ثم تحدث عن الثورة، عن دم الشهداء، عن أعداء البلاد، وكان الرجل يؤيّد كلام إبراهيم ويوافقه. في ختام الكلام قال إبراهيم: «يا عزيزي، هذه رسالة فصلك من العمل». صُدم الرجل، ونظر إلينا بتعجب. ابتسم إبراهيم ومزّق الرسالة ورماها في قناة الماء. ثم قال: «يا صديقي العزيز، فكّر قليلًا في ما قلته لك». ثم ودّعناه وركبنا الدراجة النارية وابتعدنا. حين أردنا قطع الطريق، لفت نظري الرجل الذي كان لا يزال واقفًا أمام الباب. قلت: «يا أبرام، ما أجمل كلامك! لقد أثّر فيَّ أنا أيضًا». ضحك وقال: «يا صديقي، وما دخلنا نحن، إنه الله، هو الذي أجرى هذا الكلام على لساني. إن شاء الله... يكون لهذا الكلام تأثير». ثم أكمل: «تأكّد، لا شيء كالسلوك الحسن يؤثّر في الناس، ألم يقل الله لرسوله في القرآن الكريم: {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضّوا من حولك}؟ على الأقل، لنتعلم سلوك الرسول». بعد شهر أو شهرين وصَلَنا تقرير من الاتحاد نفسه؛ لقد تغيّر الرئيس كثيرًا، كما تبدّل سلوكه خلال العمل. حتّى زوجته، تأتي لزيارته وهي ترتدي الحجاب. حين رأيت إبراهيم، أعطيته التقرير وكنت أنتظر ردّ فعله. قرأ التقرير ثم قال: «الحمد لله»، وغيّر موضوع كلامنا مباشرة. لكنّني لم أشكّ لحظة في أن إخلاص إبراهيم هو الذي أثّر في ذلك الرجل وغيّره كل هذا التغيير.
[1] - رعاية الشباب.