مطلع الفجر
منذ مدة، عُزِل «بني صدر» من القيادة العامة للقوات المسلحة. لأجل كسر هيبة الجيش العراقي، تم التخطيط لسلسلة عمليات في جنوب وغرب وشمال الجبهة. في (29 ت 2) انطلقت أولى العمليات الكبيرة؛ أي عملية «طريق القدس» (عملية تحرير بستان) وتلقى حزب البعث أولى هزائمه. وفق التخطيط، ستكون العمليات الثانية من «جيلان غرب» حتّى «سربل ذهاب» المنطقة الأكثر قربًا من «بغداد». لذلك جرى استطلاع المنطقة منذ فترة طويلة مضافًا إلى تجهيز القوى. تولت قيادة الحرس في «جيلان غرب» مسؤولية هذه العمليات. كان شباب مجموعة «أندرزكو» في خضم العمل. أوكلت إلى إبراهيم مسؤولية الاستطلاع. أُنجز هذا العمل بدقة وإتقان خلال فترة قصيرة. تقدم إبراهيم خلف خطوط الأعداء لجمع المعلومات يرافقه أحد الشباب الأكراد. استطاعا خلال أسبوع الوصول إلى منطقة «نفط شهر». جهّز إبراهيم حينها خرائط جيدة للمنطقة، ثم جاء برفقة أربعة أسرى عراقيين إلى المركز. وبعد استجوابهم، استكملت الخرائط وعُرِضَت على القيادة. وصل الخبر من المقر، أنه بعد هذه العمليات ستنطلق العمليات الثالثة في منطقة «مريوان». نسّق العقيد «علي ياري» والرائد «سلامي» من لواء «ذو الفقار» في الجيش مع قيادة الحرس، قُسّمت القوات المحلية من «سربل ذهاب» إلى «جيلان غرب» على شكل كتائب محددة. تم اختيار معظم شباب مجموعة «أندرزكو» قادةً لهذه الكتائب، وتولّى عدد من الألوية من الحرس والمتطوعين مسؤولية الاقتحام الأول ليبدأوا العمليات. في الاجتماع الأخير، اختار القادة إبراهيم قائدًا للجبهة الوسطى، الأخ «صفر خوش روان» قائدًا للجناح الأيسر، والأخ «ريزه وندي» قائدًا للجناح الأيمن. تهدف العمليات إلى تطهير المرتفعات المشرفة على مدينة «جيلان»، والسيطرة على المرتفعات الحدودية ومعابر «حاجيان» و«كورك» ومراكز التفتيش الحدودية. تقدّر مساحة منطقة العمليات بسبعين كيلومترًا. جرى التنسيق على قدم وساق. قبل الانطلاق أبلغتنا قيادة الحرس أن العراق يستعد لهجمة ارتدادية واسعة لاسترداد «بستان». لذلك عليكم البدء بالعمليات مباشرة كي يتراجع العراقيون عن فكرة استردادها. لذلك تم اختيار اليوم التالي؛ أي 11 كانون الأول من العام 1981م، للبدء بالعمليات. كنا متحمسين ومتشوقين بشكل كبير. غدًا تنطلق أولى العمليات الواسعة في غرب البلاد وعلى المرتفعات. لا شيء يمكن توقعه. كان وداع الشباب بعضهم بعضًا في الليلة الأخيرة يستحق المشاهدة. في النهاية، حان اليوم الموعود. بعد الهجوم الواسع الذي قام به الشباب من المحاور المختلفة، حررت كثيرٌ من المناطق المهمة والاستراتيجية كمعابر «حاجيان وكورك» ومنطقة «برآفتاب» ومرتفعات «سرتتان، تشرميان، ديزه كش، فريدون هوشيار» وبعض مرتفعات «شياكوه» وكل قرى سهل «جيلان». في الجبهة الوسطى، وبعد السيطرة على عدد من التلال والأنهر، تقدمت القوات نحو تلال «أنار». كان العدو يقصف المنطقة بجنون. وصلت بعض الكتائب بعد عبورها التلال إلى مرتفعات «شياكوه». كما بلغوا بعض القمم في هذه المرتفعات. كان العدو يدرك أن خسارة «شياكوه» يعني خسارة مدينة «الخانقين» العراقية. لذلك أرسلَ عددًا من القوات نحو المرتفعات إلى منطقة الاشتباكات. في منتصف الليل، أُعلن عبر جهاز اللاسلكي: وصل «حسن بالاش» و«جمال تاجيك» مع قواتهما إلى «شياكوه» قادمين من الجبهة الوسطى وهم يطلبون الدعم. بعد لحظات اتصل إبراهيم: «تم تحرير كل مرتفعات «أنار»، ما عدا إحدى التلال التي تتميز بموقع استراتيجي ما زالت تقاوم ولا قوات كافية لدينا». قلت لإبراهيم: «قبل الصباح سألتحق بكم مع قوات دعم. نسّقوا مع الجيش وحاولوا بأي وسيلة تحرير تلك التلة». تحركت مع كتيبة نحو المنطقة الوسطى. خلال الطريق، وصلنا خبر من الحرس أن العدو قد صرف نظره عن هجومه الارتدادي على «بستان»، لكنه أرسل قوات إضافية باتجاه جبهتكم، قاوموا، وإن شاء الله سيبدأ فيلق «مريوان» بقيادة الحاج «أحمد متوسليان» بالعمليات التالية. كما تضمنت الرسالة شكرًا للتنسيق المميز بين الحرس والجيش. وقالوا: «وفق الأخبار، لقد تكبّد الجيش العراقي خسائر فادحة في معركتكم، لذلك أعطت القيادة العراقية الأمر بإرسال الاحتياط إلى المنطقة». أوشك الصبح على الطلوع، وصلينا الفجر خلال المسير. لم نكن قد وصلنا بعد إلى منطقة «أنار»، عندما تلقينا، بأسف وحزن، شهادة «غلام علي بيجك» في جبهة «جيلان غرب». ما إن وصلنا إلى مرتفعات «أنار»، اقترب مني شاب وأخبرني بلهجته المشهدية: حاج «حسين»، هل عرفت أنهم أصابوا إبراهيم؟ فجأة بدأت أرتجف. جفّ حلقي وسألته: ما الذي حصل؟ أصابت إحدى الرصاصات إبراهيم في رقبته. انخطف لوني. اختلطت الأمور عليّ. ركضت بشكل لا إرادي إلى الدشم والخنادق المقابلة. كنت أسترجع كل ذكرياتي مع إبراهيم. وصلت إلى دشمة الإسعاف. وقفت إلى جانبه. أصابت الرصاصة عضلات رقبته. نزف كثيرًا من الدماء. وجدت «جواد» وسألته: ما الذي حصل لأبرام؟ سكت قليلًا ثم قال: لا أعرف ماذا أقول؟ - ماذا تعني؟ تكلّمنا مع قادة الجيش عن كيفية الهجوم على التلة. كان العراقيون يقاومون بشدة، وكان لديهم عدد كبير من المقاتلين. لم توصلنا أي خطة إلى نتيجة. كنا نقترب من أذان الصبح وعلينا القيام بعمل ما، لكنّنا لم نعرف ما نفعله. فجأة، خرج إبراهيم من الدشمة، اقترب من تلّة العراقيين، ثم وقف على صخرة ورفع صوته بالأذان. صرخنا كثيرًا: «عد إلى الخلف، سيرميك العراقيون»، ولكن من دون فائدة، إلى أن أنهى الأذان تقريبًا، وإذ بنا نلتفت.. لقد توقف إطلاق النار من قِبل العراقيين! ولكن في اللحظة الأخيرة، أُطلقت رصاصة أصابت إبراهيم. فسحبناه إلى الخلف.