الأَخوان
توجّهنا إلى إحدى البلدات الحدودية للمشاركة في مراسم الشهيد «شهبازي». وفق عادات وتقاليد تلك المنطقة تستمر مراسم العزاء من الصباح حتّى الظهيرة، ثم يحضر أحدهم وعاءً كبيرًا وإبريق ماء بلاستيكيًّا ليغسل الضيوف أيديهم، وتختتم المراسم بتناول الغداء.حين دخلت إلى المجلس، رأيت إبراهيم و«جواد» يجلسان في الوسط، قريبٌ أحدهما من الآخر. تقدمتُ وجلستُ بجانب إبراهيم. كان إبراهيم و«جواد» صديقين مقربين؛ بل كانا كالأخوين. عند انتهاء المراسم، أحضر شاب من أهل العزاء الوعاء[1] وإبريق الماء البلاستيكي وتوجّه مباشرة نحو «جواد». أسرّ إبراهيم في أذن «جواد» بعض الكلمات. فتفاجأ «جواد» الذي لم يكن يعرف عادات تلك المنطقة وقال: «حقًا؟» فأجابه إبراهيم: «بهدوء... ولا تُظهِر شيئًا من تعجّبك الآن». ثم التفت إبراهيم إليّ وهو يحاول إخفاء ضحكته. سألته: «ماذا هناك؟ عيب، لا تضحك». - «قلت لجواد، حين يحضرون الوعاء والإبريق البلاستيكي، اغسل رأسك جيدًا». بعد لحظات، حصل ما توقعناه، غسل «جواد» يديه ثم وضع رأسه تحت ماء الإبريق البلاستيكي و..». ثم بدأ ينظر حوله، والماء ينزل على وجهه وثيابه، والجميع متعجب... قلت له: «ماذا فعلت يا «جواد»؟. وهل أنت في حمام عمومي؟». ثم أعطيته كوفيّتي ليجفّف بها رأسه. في أحد الأيام، عرفنا أن إبراهيم و«جواد» و«رضا كوديني»، وبعد غيابهم أيامًا في المناطق الحدودية، هم في طريق عودتهم عبر المركز الحدودي. لشدة فرحنا بعودتهم سالمين، تجمّعنا أمام مقر الشهيد «أندرزكو». بعد دقائق وصلت سيارتهم، ترجّل إبراهيم و«رضا» واقترب الشباب منهما يسلّمون عليهما ويقبّلونهما. سأل أحد الشباب: «ولكن أين «جواد»؟». سكت الجميع لحظات. حاول إبراهيم الكلام، تردّد ثم قال وهو يحبس دمعته: «جواد!»، ثم نظر إلى المقعد الخلفي للسيارة، حيث يتمدد أحدهم، وعليه بطّانية. سكت الجميع مدهوشين، وردّد إبراهيم: «جواد! جواد!» ثم بدأ بالبكاء. بدأ بعض الشباب بالبكاء والصراخ: «جواد، جواد!»، وتوجّهوا نحو المقعد الخلفي للسيارة. وبينما كان الجميع يبكي ويصرخ، استيقظ «جواد» مصدومًا وهو يسأل: «ماذا حصل؟ ما الأمر؟!»، وينظر في وجوه مَن حوله. تفرّق الشباب وقد تورّمت أنوفهم ودمعت عيونهم، يبحثون عن إبراهيم. لكن إبراهيم كان قد توارى داخل المبنى.
[1]- اللكن، الطست.